كتبت دانا سليم صالح
الخوض في سيرة اللواء عباس إبراهيم، ومسيرته، خوض في الماضي وفي الحاضر والمستقبل. عبور بين الأفخاخ والخبايا والأسرار. سير فوق حقل من الألغام. طيران متواصل بين الأجهزة والزعماء والأحزاب والدول والأفكار. تاريخ لمرحلة من عمر الوطن لما يئن أوان الكتابة عنها بعد.
والأسرار عند رجال الأمن تطوي الخلافات والصفحات والأزمات والحقب والدول، وتبقى أسراراً.
قابض على الجمر هو، منذ دهر. وصائم عن الكلام منذ مهام ومساعٍ. أمني بين أهل السياسة، وسياسي محنّك بين أهل الأمن، أهله. لا يتكلم اللواء، وإن كان من أفصح أهل الكلام والبلاغة. قوله الفعل. جمله مبادرات ومساعٍ وحلول. كلماته حروفها الوطن، بحدوده البرية والبحرية والجوية. علاقاته ترسمها جغرافيا لبنان وتاريخه.
أما المسيرة، فمهمة ثم إنجاز، ووساطة ثم إعجاز. مبادرة هنا ومفاوضات، وإطفاء نيران هناك، وحلول هنالك. تحرير مخطوفين وشعوب وأراضِ. ترسيم حدود وعلاقات وسياسات ووطن. مكتبه بوصلة سفراء دول القرار عند كل احتدامٍ.
لا يكلّ ولا يملّ. يصل الليل بالنهار. يلمع في ليل المحن نجماً ودليلاً إلى التعافي والتلاقي والحوار، ولا تغيب شمس عن رحلاته المكوكية: من بيروت إلى الرياض فدمشق فقطر فالقاهرة وصولاً إلى باريس فواشنطن، ثم إلى بيروت المنطلق والمنتهى.
أحياناً من أجل كلمة تهدم أسواراً وقلاعاً وجبالاً، أو من أجل اتفاقيات تحرر شعوباً وأوطاناً ودولاً وتعبّد طرق الإنسان في كل مكان.
إذا كان الاقتصاد يقبض على السياسة من عنقها، في أرجاء المعمورة عموماً، فإن الأمن معه يقبض على السياسة والاقتصاد معاً، في آن واحد.
أمن اللبنانيين فوق كل اعتبار وسياسة واقتصاد.
يختفي اللواء عن الأنظار، ويغيب يغيب ثم يعود وفي جعبته حلٌّ لمعضلة ما، ودواء لداء عجز عنه أهل السياسة.
حيث المشكلة يكون اللواء، وحيث يحتاجه الوطن والمواطنون.
من الجنوب إلى الشمال، ومن البقاع إلى الجبل فالساحل. ومن داخل الحدود إلى خارجها. فوق الأرض وتحتها، لكن دائماً فوق الطاولة. رجل المهمات الصعبة هو، ورجل المستحيل. تشهد على ذلك سيرته وإنجازاته المصوّرة من أولها إلى آخرها.
رشّحته كفاءته ومناقبيته العاليتان، ليكون بجانب كبار المفاوضين والشجعان في سبيل الوطن. تولى الأمن الشخصي للمبعوث العربي الأخضر الإبراهيمي وهو يقود مساعيه لإنهاء الحرب اللبنانية والوصول بلبنان إلى برّ السلم الأهلي. بعدها كان بجانب الرئيس الياس الهراوي حارساً شخصياً وهو يعبّد الطريق لجمهورية الطائف وعودة الدولة. كان أيضاً مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري مسؤولاً عن أمنه الشخصي، حين تشكيله أولى حكوماته، وهو يقود مسيرة الإنماء والإعمار ويطوي صفحة الدمار والخراب.
كان الرجل الأول بجانب الإطفائيين الكبار، أهل المفاوضات الحلول والإنماء والإعمار والقلوب القوية. أهل البناء والتطوير. أهل الغد.
أما قدره فمن الجنوب وإليه.
شغل مدةً منصب رئيس المخابرات في الجنوب، حيث الاعتداءات والمؤامرات والأحلاف والخطوط التي من كل الألوان. الجنوب الذي يرسم خرائط ويزيل حدوداً ويرسم حدوداً جديدةً.
الجنوب الذي يختصر الصراع العربي – الإسرائيلي، ويقدّم الصورة الأوضح عنه، وعن العرب وأعدائهم والمخاطر التي تحيق بهم.
في عصر الظلمات، كان اللواء عرّاب تشغيل معامل الكهرباء في لبنان عبر تأمين الوقود من بغداد. في عصر النازحين عمل على إعادة النازحين السوريين من لبنان إلى مناطق النظام السوري. وفي عصر الترسيم، خاض جولات تفاوضية للوصول إلى اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، ولعبت علاقته بالمفاوض الأميركي آموس هوكشتاين، دوراً كبيراً في هذا الإنجاز.
وفي عصر الإرهاب، كم أعاد مضللاً وكم أرجع ضالّاً، وكم عمليةً استبق فأنقذ كثيرين. من فندق “ديروي” في الحمراء في بيروت، في واحدة من أبرز العمليات الاستباقية إلى حسان سرور الذي أعاده من أحضان الإرهاب إلى حضن أمّ ناشدته من طرابلس، فكان عيد الأمهات عام 2014 عيدين لها بل أعياداً: عيدها وعيد عودة ابنها وعيد احتضان الدولة اللبنانية لها وعيد عثور استغاثاتها على أذن تسمع وقلبٍ يجرؤ. ولا تُنسى في هذا السياق عملية إلقاء القبض على شادي مولوي أبرز الإرهابيين المطلوبين.
حقن اللواء إبراهيم بسياساته الأمنية دماء كثيرين، وألقى القبض على إرهابيين قبل شروعهم في تنفيذ جرائمهم، وأطلق يد الأمن الاستباقي، فحفظ الوطن والمواطنين وأوطاناً مجاورةً وبعيدةً، وشقّ طريقاً لا غير الأمن والأمان في نهايتها.
أما على صعيد الإنسان وحقوقه، فلا تبدأ الحكاية من الحجاج المحررين بعد اختطافهم في أعزاز، ولا تنتهي بالألبان الذين أعادهم إلى بلدهم من “الهول”، ولا براهبات معلولا.
لا تتسع لعرض إنجازاتهمقالةً. منذ تخرج ملازماً من الكلية العسكرية، إلى أن تخرّج من الأمن العام مديراً من طراز رفيع، وسياسياً مخضرماً، ومفاوضاً عنيداً، وأمنياً لا يُشقّ له غبار، وإنساناً قبل كل شيء وبعده.