عقدت الهيئة الوطنيّة لشؤون المرأة اللبنانيّة بدعم من هيئة الأمم المتّحدة للمرأة UN Women، طاولة مستديرة حول تطبيق قانون “تجريم التحرّش الجنسي وتأهيل ضحاياه”، شارك فيها السيدة كلودين عون رئيس الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية والقاضي محمد محمود المصري مدير عام وزارة العدل والكاتب العدل رندة عبود أمينة سرّ الهيئة والمحامية غادة جنبلاط عضو المكتب التنفيذي واللجنة القانونية في الهيئة والمحامية ريا جبّور الدكتورة في القانون والمستشارة القانونيّة للبنك الدولي ومجموعة من القضاة والقاضيات ومن المحامين والمحاميات المنتسبين لنقابتي بيروت وطرابلس للتباحث في السبل العمليّة لتطبيق هذا القانون أمام القضاء.
رمى هذا اللقاء إلى تحديد النقاط الأساسيّة الّتي من الضروري توضيحها لنشر المعرفة بمضمون هذا القانون والتوعية على الحماية الّتي يوفّرها لضحايا التحرّش الجنسي. ويندرج انعقاد هذه الطاولة المستديرة في إطار المساعي الّتي تقوم بها الهيئة الوطنيّة لشؤون المرأة اللبنانيّة لمكافحة العنف المبني على النوع الاجتماعي بجميع أشكاله ومنها التحرش الجنسي بعد صدور القانون 205/2020 الذي يجرّم هذا السلوك. كما يأتي ضمن تنفيذ الخطّة الوطنيّة لتطبيق القرار 1325 حول المرأة والسلام والأمن التي اعتمدتها الحكومة في العام 2019 والتي تضمنت من بين أهدافها الاستراتيجية هدف وقاية النساء والفتيات من العنف المبني على النوع الاجتماعي وحمايتهن منه.
استهلّ اللقاء بكلمة للسيّدة كلودين عون رئيسة الهيئة الوطنيّة لشؤون المراة اللبنانيّة، قالت فيها: “أولى الأسباب الموجبة التي أوردها قانون تجريم التحرش الجنسي وتأهيل ضحاياه، هو واجب العمل بما جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يلتزم به دستورنا اللبناني. فقد نص إعلان حقوق الإنسان على حق كل فرد في الحياة والحرية وفي الأمان على شخصه ونص أيضا على عدم جواز تعريض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة ولا لحملات تمس شرفه وسمعته. وعرف القانون التحرش الجنسي بأنه ” أي سلوك سيئ متكرر خارج عن المألوف، غير مرغوب فيه من الضحية، ذي مدلول جنسي، يشكل انتهاكا للجسد أو للخصوصية أو للمشاعر، يقع على الضحية في أي مكان وجدت”. وعدد القانون الأقوال والأفعال والإشارات والإيحاءات والتلميحات الجنسية أو الإباحية كأشكال للتحرش الجنسي الذي يمكن أن يعبر عنه بأي وسيلة، بما في ذلك الوسائل الإلكترونية. واعتبر القانون تحرشا جنسيا أي فعل أو مسعى، ولو غير متكرر، يستخدم أي نوع من الضغط النفسي أو المعنوي أو المادي أو العنصري، يهدف فعليا للحصول على منفعة ذات طبيعة جنسية.”
وتابعت: “تجاه هذا الوضوح في التحديد واعتراف المشترع، في متن عرض الأسباب الموجبة للقانون أن التحرش الجنسي هو شكل من أشكال العنف، وأن كل عنف ينال من شرف الإنسان وكرامته، ومع العلم بأن هذا النوع من التصرف ينتشر في كل البيئات، وأن في الغالبية العظمى من الحالات تكون ضحاياه من النساء، لنا أن نتساءل عن سبب تأخر صدور مثل هذا التشريع إلى يومنا هذا.
ففي العالم أجمع، وعلى الرغم من إعتراف المجتمعات في معظم الدول بحقوق المرأة في مجمل الميادين، لم تبدأ إعادة الإهتمام لظاهرة التحرش الجنسي الذي تتعرض له النساء، سوى في سبعينات القرن الماضي عندما بدأت الحركات النسائية بتحليل هذا الموضوع وبتناوله بجدية.” وأضافت: ” الواقع أنه قبل ذاك ولليوم بالذات، اعتدنا على أن يقارب عامة موضوع التحرش الجنسي باستخفاف وعلى أن تدور حوله النكات وأحاديث السخرية. فهذه ظاهرة عالمية آلفناها منذ زمن بعيد ولم تكن تثير الاستهجان سوى من جانب ضحاياها النساء اللواتي تعرضن لأشكال من التصرفات التحرشية، اضطرتهن في كثير من الأحيان إلى إجراء التغييرات في حياتهن أو في مسارهن المهني أو أجبرتهن على العزوف عن خوض معترك العمل أو النشاط الإقتصادي أو النقابي أو الحزبي أو السياسي. ومعروف أن انتشار هذه الظاهرة تثني العديد من النساء في مجتمعنا عن الانخراط في العمل، وبالتالي تساهم في إضعافهن اقتصاديا. من هنا تعتبر مسألة مكافحة التحرش الجنسي، كما مكافحة ظاهرة العنف المبني على النوع الإجتماعي مسألة ثقافية بإمتياز، لكل منا دور يقوم به لإنجاحها. واليوم نعول كثيرا في الهيئة الوطنية على أن يكون إصدار القانون المجرم لهذه الظاهرة، رافعة لإحداث تغيير ثفافي في مجتمعنا تجاه التحرش الجنسي، ونجهد في الوقت نفسه بالتعاون مع شركائنا، وفي إطار تنفيذ الخطة الوطنية لتطبيق القرار1325 حول المرأة والسلام والأمن، على نشر المعرفة بالقانون الجديد وعلى العمل على تطبيقه في المؤسسات الرسمية والخاصة.”
وقالت: ” في هذا الإطار تعمل الهيئة حاليا بالشراكة مع مؤسسة GIZ الألمانية للتنمية ضمن برنامج “مناهضة العنف ضد النساء والفتيات”، على رصد المواقف والتجارب في موضوع التحرش الجنسي، وعلى تطوير سياسيات لمكافحة هذه الظاهرة في إطار البلديات وعلى إطلاق حملات توعوية للتعريف بالقانون. وتسعى الهيئة أيضا بالتعاون مع وزارة العمل وصندوق الأمم المتحدة للسكان والإسكوا، على تطوير مجموعة من الإجراءات التشغيلية الموحدة بهدف وضع القانون موضع التنفيذ داخل المؤسسات الإقتصادية.”
وختمت: “يرمي اجتماعنا اليوم إلى التباحث في متطلبات تطبيق القانون في حالات التحرش الجنسي بغية تحسين نشر المعرفة بالشروط المطلوبة لللجوء إليه. هدفنا هو أن تكون المعرفة بوجود هذا القانون وبتطبيقه في المحاكم وملاحقة المرتكبين وتنفيذ العقوبات، رادعة لممارسة التحرش الجنسي. أشكر هيئة الأمم المتحدة للمرأة على دعم الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية في تنظيم هذا اللقاء.”
بعدها ألقى القاضي محمد محمود المصري مدير عام وزارة العدل كلمة جاء فيها: “في ظل الظروف القاهرة التي تحيط ببلدنا الحبيب لا يسعني إلا أن أشكر القيمين على هذا العمل الراقي، وأخص بالشكر، قائدة هذا المسار الإنساني التوجيهي والاجتماعي السيدة كلودين عون”.
وتابع: “بداية ، أشير ومن خلال موقعي وقناعاتي إلى وجوب أن أدعم كلّ تعديل أو دراسة يساهمان في النيل من كل من يقدم على عمل إجرامي بحق الإنسانية عن طريق التحرش الجنسي. ولمحاربة هذه الآفة، يجب أن تتضافر الجهود للقضاء عليها، الأمر الذي يتطلب توفير الحماية القانونية للنساء، فضلاً عن إعداد برامج التوعية والحماية وهذا وهذا ما تقوم به، مشكورة الهيئة الوطنية”
وأضاف: “لا بدّ من الإشارة إلى أن المشترع واكب هذ المسألة، فقد أقرت الهيئة العامة لمجلس النواب بتاريخ 12/12/2020 قانون معاقبة جريمة التحرش الجنسي وتأهيل ضحاياه، هذه الخطوة هي على قدر كبير من الأهمية ولها دلالاتها الإيجابية على أكثر من صعيد:
أولاً: الحاجة الملحة إلى سنّ قانون يواكب التطوّر الحضاري ويشكّل في الوقت عينه إطار ردعي لكلّ من تسوّل له نفسه ارتكاب مثل هذا الجرم بحقّ الضحية .
ثانيا”: معاقبة فعل التحرش بوجهيه المادي والمعنوي، وبأيّ وسيلة تمّ الفعل بما في ذلك الوسائل الإلكترونيّة .
ثالثا”: تدرّج المشرّع في مقدار العقوبة المفروضة بحقّ مرتكب فعل التحرّش تبعاً لصفة القائم بها بحيث تصبح مشدّدة إذا حصلت الجريمة في إطار رابطة التبعيّة، وإذا وقع الفعل في إحدى الإدارات الرسميّة أو العسكريّة أو المؤسسات العامة أو البلديّات أو الجامعات أو الأندية أو وسائل النقل .
رابعاً: تشديد العقوبة تبعاً لصفة الضحيّة بحيث تصبح الحبس من سنتين إلى أربع سنوات وبغرامة من ثلاثين إلى خمسين ضعف الحدّ الأدنى الرسمي للأجور إذا وقع الجرم على حدث أو على شخص من ذوي الإحتياجات الإضافيّة أو على كلّ من لا يستطيع المدافعة عن نفسه بسبب وضعه الجسدي أو النفسي .
خامساً: توقّف الملاحقة في هذا الجرم على شكوى المتضرّر باستثناء الحالات التي حددتها المادة الثالثة من القانون، والأهمّ أنّ ملاحقة مرتكب هذا الجرم لا تستوجب الإستحصال على ايّ إذن مسبق .
سادساً: إيراد مادّة مفصّلة تتناول ضحايا هذا الجرم عبر إنشاء صندوق خاص لدى وزارة الشؤون الإجتماعيّة يتولّى مساعدة ضحايا التحرش الجنسي وضمان الرعاية لهم بما يكفل تأهيلهم واندماجهم في المجتمع .”
وقال: “في الواقع وعلى الرغم من أهميّة النصوص، تبقى العبرة الأساس في تطبيق أحكامها من قبل المراجع القضائيّة المختصّة، وهنا ينبغي على الضحيّة أن تساهم في هذا الأمر وذلك عبر اللجوء إلى القضاء العدلي الذي يعدّ حامي الحريات الفردية من أيّ تعدّ.
كما أرى اضافة الى ما تقدم ضرورة البحث عن كلّ السّبل التي تدعم ضحايا العنف، من خلال دمج الجهد الرّسميّ بجهود المجتمع المدنيّ .
علينا جميعًا التجنّد للمشاركة في مختلف البرامج والتّدابير الاجتماعيّة التي تعزّز مفهوم الحماية، إلى جانب إيجاد بيئة تشريعيّة ومؤسّساتيّة كاملة تمنع هذا النوع من العنف، وتفتح الأبواب للمشاركة الواسعة، في مجابهته .
ولعلّ الوضع المأساويّ اليوم يتطلّب منّا مضاعفة الجهد؛ لأن الضّائقة الماليّة تساهم بشكل سريع في تدمير الحياة الاجتماعية السّويّة.
حضرات المشاركات والمشاركين في هذا اللّقاء، من قضاة ومحامين وقائمين بالشأن الاجتماعي : معًا ، بالاتّحاد والمثابرة ، نصل الى هدفنا المنشود.”
وختم: “يجب نشر الوعي ومساعدة الضحايا في معرفة حقوقهم وتمكينهم من استخدام مواد هذا القانون لحمايتهم من مرتكبي هذا الجرم، وهذا الأمر من مسؤولية جميع المراجع رسمية وغير رسميّة، ولا شكّ في أنّ موضوع جلسة النقاش هذه يصبّ في هذا الإطار، وينبغي تعزيز مثل هذه الندوات من أجل تحفيز الضحيّة وحثّها على عدم الخوف والسكوت عن حقّها، بل للمطالبة بحقوقها حتى تنال حقّها في العيش بكرامة.”
ثمّ استعرضت المحامية جنبلاط الإطار العامّ ومضمون قانون تجريم التحرّش الجنسي وتأهيل ضحاياه.
بعدها عرضت المحامية جبّور الترابط بين قانون تجريم التحرّش الجنسي وتأهيل ضحاياه وقانون العمل.
وفي الختام أدارت المحامية جنبلاط نقاشاً بين المشاركين والمشاركات وتبادل الخبرات والآراء، واختتمت الطاولة المستديرة بعرض خلاصة اللقاء.