مسلسل “السيرة العامرية” صورة فنية ليبية متقنة، جمعت بين ثناياها شظايا وتكوينات المشهد الليبي لتغوص في العقل الباطن للمشاهد المأسور دائماً بسردية الحنين للماضي، عبر ثنائية المشهد الدرامي الذي يخاطب العيون وسردية النص الشعري الذي يواكب أحداث المشاهد فيصنع ترابطاً قوياً، يُذكِّر بالواقع، ويستحضر التاريخ متى استدعته المشهدية، لتكتمل الحبكة بالمزج بين الأرشيف الحقيقي الموثق والخيال الذي يخاطب المكان ويربط الجغرافيا بالنص، في وحدة درامية فريدة مثلت سابقة في الأعمال الفنية الليبية.
المسلسل الذي سيُعرض على شاشة 218TV في شهر رمضان يتجاوز حدود الفنتازيا، فهو إلى جانب التقنيات البصرية تعمّد كاتبه نزار الحراري التركيز على مسألة التنوع والغنى الثقافي في المجتمع الليبي، وهو تنوّع تعكسه الثقافات والأعراق ويبرز في متغيرات الشخوص والأماكن، وهي إضافة ملهمة تقترب بالعمل نحو رسالته الجدية التي تظهر في بانوراما الأحداث والوقائع والإسقاطات المعززة بالجودة الفنية والحبكة الدرامية.
وللإمعان في التشويق والإثارة يستعين الكاتب بشخصية السيفاو التي تتولى سرد الوقائع وربط الأحداث في السيرة العامرية، التي تنتقل من زمان لزمان، حيث يعمد السيفاو إلى السفر بالزمن ليحكي لنا السيرة كما يراها هو ويغوص بنا في ثنايا الرحلة التي قادته لأمر غامض وسر غريب لن نعرفه إلا عند نهاية الرحلة، لتزداد عوامل الجذب للمشاهد، حيث يستنطق الراوي المكان ويُسائل التاريخ ويحاكي الواقع في ثلاثية مترابطة وشيّقة.
شارك فيه النجوم محمد عثمان وواصف الخويلدي ونضال كحلول وسند تنتوش والفنانة جميلة المبروك وذكرى يونس، بالإضافة للمسرحي الكبير أحمد إبراهيم، مع ظهور مميز للنجمين التونسيين كمال التواتي وأحمد الحفيان الذي مثّل وجودهما في العمل الفني إضافة لافتة، مع الخصوصية والتقارب الكبير في اللهجات وجغرافيا المكان بين البلدين. وتولى المخرج نزار الحراري كتابة وإخراج العمل الذي استغرق منه عاماً كاملاً بين التحضيرات وإعداد الشخصيات واختيار الألبسة والأزياء ومعاينة الأماكن التي تحاكي الوقائع التاريخية، حيث صُوِّرت كل مشاهد العمل في تونس بمشاركة أكثر من 50 ممثلاً وممثلة، قضوا عاماً كاملاً في تصوير مشاهد العمل.